الذكاء الاصطناعي

نظام “لافندر” الإسرائيلي في غزة: حين يتحول الذكاء الاصطناعي لسلاح دمار شامل

نظام “لافندر” الإسرائيلي في غزة: حين يتحول الذكاء الاصطناعي لسلاح دمار شامل

الملخص

شهدت الحروب الحديثة تطورًا ملحوظًا في استخدام التقنيات المتقدمة، ومن أبرز هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي.

في هذا المقال المختصر أحاول تسليط الضوء على أحد أسوء أوجه استخدام تقنيات تعلم الآلة في الحروب الحديثة وهو نظام “لافندر” الإسرائيلي الذي طُوِّر بواسطة وحدة الاستخبارات 8200 مع مشاركة محتلمة لشركات أمريكية رائدة في مجال تقانة المعلومات، وأناقش فيه جانب من استخدامات النظام في العمليات العسكرية التي جرت في غزة، مع الإشارة لبعض الآليات التقنية التي يعتمد عليها، ومدى تأثيره على استراتيجيات الحرب، والتداعيات الأخلاقية والقانونية المترتبة على استخدامه.

نبدأ..

1. خلفية نظام “لافندر”

تم تطوير نظام “لافندر” بواسطة وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200 بدعم من شركات غربية متعددة (أمريكية بالخصوص)، وهذه الوحدة ليست مجرد فريق صغير بل هي في حقيقة الأمر تُعادل وكالة الأمن القومي الأمريكية أو مركز الاتصالات الحكومية البريطانية، ونظامها هذا حسب ما اطلعت عليه يعمل على نماذج مدربة وتحليل البيانات الضخمة لتحديد الأفراد الذين يُعتقد ارتباطهم بجماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي، وبهامش خطأ معتبر أدى لاستهداف مدنيين كثر بقرار آلي تماما دون أي اعتبار للجانب الأخلاقي لاستخدامه.

حسب تقرير للغارديان، فإنه ووفقًا لشهادات ستة ضباط استخبارات قدموا تقاريرهم لوسائل الإعلام، لعب نظام “لافندر” دورًا محوريًا في العمليات العسكرية، حيث قام بمعالجة كميات ضخمة من البيانات وحدد 37000 هدف محتمل خلال المرحلة الأولى من الحرب.

2. طريقة عمل النظام وتداعياته

2.1 الآليات التقنية

يعتمد نظام “لافندر” على خوارزميات تعلم الآلة المتقدمة التي تُحلل البيانات المجمعة من مصادر متعددة مثل:

  • قواعد بيانات ضخمة للأفراد: مسجلة للفلسطينيين، المدنيين والعسكريين، بمن فيهم المساجين وكذا أشخاص يقطنون في بلدان أخرى ويحملون جنسياتها.
  • الأقمار الصناعية: تقوم الأقمار الصناعية بجمع صور عالية الدقة للأماكن المستهدفة، ما يتيح تحديد المواقع الجغرافية بدقة شديدة.
  • التنصت والمراقبة الرقمية: يتم تحليل البيانات الصوتية والرقمية التي يتم اعتراضها عبر الاتصالات المختلفة، مما يساعد في تحديد أنشطة الأفراد أو الجماعات المستهدفة، وكذلك الحاضنة المدنية.
  • البيانات التاريخية: يتم تحليل أنماط السلوك السابقة للأفراد أو الجماعات أو أعضاء مؤسسات مدنية (مثل المؤسسات الإغاثية وموظفي المستشفيات)، مما يساعد في التنبؤ بتحركاتهم المستقبلية وارتباطهم بأهداف محتملة .

تعمل الخوارزميات ضمن نظام تعلم تكراري، حيث يتم تحسين أداء النظام باستمرار من خلال التدريب على بيانات جديد، ويُستخدم هذا النوع من التعلم لضمان تحديث النظام بما يعكس أحدث المعلومات الميدانية، مما يجعله أكثر شمولية واتساعات لنبك الأهداف الممكنة مع مرور الوقت (مع أن الأصل في هذه التقنيات ضمن الأنظمة الطبيعية هو تحسين الدقة وليس توسيع نطاق الأهداف).

2.2 التداعيات العملية

  • غياب البعد الإنساني: القرارات التي يتخذها النظام تعتمد على الإحصائيات فقط فوق مخرجات النماذج المدربة، مما أدى إلى اتخاذ قرارات “باردة” غير متأثرة بالعوامل الإنسانية أو الاعتبارات الأخلاقية.
  • تسريع عملية الاستهداف: أتاح “لافندر” للضباط معالجة آلاف الأهداف يوميًا، حيث يُمنح كل هدف حوالي 20 ثانية فقط كأقصى حد للمراجعة البشرية التي لا تكون شرطا دائما، إذا أن هناك حديثا عن ترك النظام يتخذ قرارات آلية تماما في عدد من الاستهدافات لتجمعات مدنية وعسكرية، هذا التسريع قلل من الوقت المخصص لتقييم مخاطر الأهداف ومدى تأثيرها.
  • الضرر الجانبي: نتيجة استخدام القنابل غير الموجهة، أدى ذلك إلى تدمير واسع النطاق للمباني المحيطة بالأهداف، مما أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح المدنية.
  • الإنتاج المفرط للأهداف: بحسب الشهادات، واصل النظام تقديم أهداف جديدة دون انقطاع، مما خلق قائمة ضخمة من 37000 هدف في نحو ثلاث أشهر فقط، ما يرفع احتمالية الأخطاء والاستهداف العشوائي.

3. الأنظمة الداعمة: نظام “جوسبل”

3.1 دور نظام “جوسبل”

إلى جانب نظام “لافندر”، اعتمدت العمليات العسكرية على نظام آخر يُعرف بـ”جوسبل” والذي يركز على تحليل البنية التحتية وتحديد الأهداف المتعلقة بالمباني والمنشآت، عوضًا عن الأفراد؛ حيث يعمل النظامان معًا بشكل تكاملي:

  • لافندر: يُركز على الأفراد المحتمل ارتباطهم بجماعات مسلحة أو جهات ومؤسسات مدنية مصنفة كخطر قابل الاستهداف.
  • جوسبل: يُركز على تحديد المواقع والمنشآت المرتبطة بهؤلاء الأفراد (منها المستشفيات والمدارس).

3.2 آلية العمل التكاملي

يجمع “جوسبل” بياناته من مصادر متعددة، مثل الصور الجوية والخرائط الرقمية وبيانات الاستشعار عن بُعد، ويستخدم خوارزميات تحليل البنية التحتية التي تحدد نقاط الضعف أو الأهمية الاستراتيجية للمنشآت؛ بعد ذلك، يتم تنسيق المعلومات مع نظام “لافندر” لتحديد مدى ارتباط المواقع بالأهداف البشرية.

3.3 تداعيات استخدام “جوسبل”

  • تعزيز الدقة التكتيكية: يساعد النظام في تقليل الجهد البشري اللازم لتحديد المواقع الاستراتيجية، مما يجعل العمليات المنجزة أكبر عددا.
  • زيادة الدمار: يساهم النظام في استهداف المنشآت الحيوية، ما يؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد على البنية التحتية.
  • التكاليف الأخلاقية: بالرغم من أنه يساهم في تحديد الأهداف المسلحة، إلا أنه يصنف أهدافا مدنية على أنها مسلحة بهامش غير مهمل كما أن أن الدمار الناتج عن استهداف البنية التحتية والمؤسسات الإغاثية والإعلامية مع ضعف التدخل البشري في اتخاذ القرارات (إلى غيابه تماما) يسبب خسائر إنسانية واجتماعية كبرة.

4. التداعيات الأخلاقية والقانونية

4.1 التأثير على المدنيين

وفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد القتلى الفلسطينيين خلال الحرب 38919 شخص حتى يوم 20 يوليوز جلهم مدنيين وارتفع العدد إلى 46788 حتى وقت سريان اتفاق الهدنة قبل أيام (وحسب الغارديان فغن واحد من كل 4 منهم من الأطفال، وأكثر من 110 آلاف جرحى)؛ كما أن تقريرا لنفس الجهة تحدث عن أرقام مرعبة في الشهر الأول فقط تضمن فقدان 1340 عائلة أكثر من 10 أفراد لكل منها، مما يثير أسئلة حول شرعية استخدام هذه الأنظمة في مناطق مكتظة بالسكان (غزة بالمناسبة تعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم ككل).

4.2 النقاشات القانونية

تدعي القوات الإسرائيلية أن عملياتها متوافقة مع قواعد القانون الدولي، مع التزامها بمبدأ التناسب، ومع ذلك، فإن اعتمادها على قنابل غير موجهة ونظام ذكاء اصطناعي يحدد الأهداف بشكل شبه ذاتي يثير مخاوف من انتهاكات تصل لمستوى جرائم الإبادة الجماعية.

4.3 المسؤولية الأخلاقية

  • هل يمكن للآلات أن تتخذ قرارات قاتلة دون إشراف بشري دقيق؟
  • ما مدى قبول الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في الحروب التي تتسبب في خسائر إنسانية ضخمة؟
  • بناءً على العدد المهول للضحايا المدنيين في غزة والتدمير الشامل للوحدات السكنية والمؤسسات الطبية والإغاثية والصحفية وحتى مخيمات النازحين التي تعرضت لقصف سجادي وحرق تام، هل يمكن اعتبار نظام لافندر وأشباهه من الأنظمة كأسلحة دمار شامل؟

5. الاستنتاج

يشكل استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب خطوة ثورية في تطوير التقنيات العسكرية، ولكنه يفتح الباب أمام تحديات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة، فكما رأينا أن نظام “لافندر” الإسرائيلي أظهر كيف يمكن للتقنيات المتقدمة خفض كفاءة العمليات العسكرية على عكس ما هو متوقع وتحويلها لمجرد التدمير السجادي والإبادة الجماعية، وكشف أيضًا عن مخاطر تقليص الدور البشري في اتخاذ القرارات المصيرية وتركها بيد الآلة، إذ لا مجال للتردد أو التريث في حسمها.

المصادر

  • تقرير الغارديان: استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في حرب غزة.
  • شهادات ضباط استخبارات نُشرت عبر وسائل التواصل.
  • تقارير الأمم المتحدة ووزارة الصحة في غزة حول تأثير الحرب على المدنيين.
السابق
كيفية تشغيل أود باستخدام دوكر وربط الإضافات والملفات من المخدم المضيف
التالي
أهمية ملفات manifest في إضافات أودو: الدليل العملي